الغراب نذير معرفة وليس شؤم.. {غراب مستجاب} من [1 _ 30]
•يقول الكاتب المصري محمد مستجاب في كتابه {نبش الغراب} عن القلب : ظللت الأحقاب الطويلة - الأولى - من عمري أحظى بلقب (قلب أمي)، ولاسيما في لحظات عنفوان استرحامها الساخن، ضاربة صدرها بكف يدها، كلما حاق بي أذى السقوط بين الطوب والحصا والأعشاب وجذوع النخيل، لتصرخ: يا قلبي، وهو تعبير يعلو - حتى على أفخم الألقاب، استطعنا استغلال ما يثمره من تدليل، بالذات نحن طائفة الذكور الذين وفدوا إلى الدنيا بعد عدد من البنات، هذا التدليل الذي أود أن يقوم واحد من الباحثين في علم الاجتماع بدراسة نتائجه المعهودة - والمنتشرة - في بلادنا، ليصل إلى تحديد ارتفاع نسبة الذين أفلحوا - من أمثالنا - في الحياة بعد ذلك،ولم أكن أدرك أن ريتشارد الأول ملك إنجلترا - قبلنا بثمانية قرون - حظي بلقب قلب الأسد، إنه رمز للشجاعة أو القدرة على الهجوم المباغت، فيما وصفه المؤرخون القريبون منه، دون تحديد لموقع مولده بالنسبة لأخواته البنات.
•إلا أنّ القلب الأعظم ظل هذا العضو الكامن داخل القفص الصدري في الإنسان - مع إضافة عدد كبير من الحيوانات أيضا، ليتدفق الدم النقي من بطيناته وأذيناته - بعد تحليلات معملية دقيقة - ليصب حرارته ذات الشجن في العلاقات وقصائد الشعر والنثر والإحساس بالوجود، حتى أن المخ - أقصد العقل - الكامن في أعلى الجمجمة - يضطرب ويتراجع تاركًا أمورا - كثيرة ومعقدة - تحت سطوة الوجدان المتفاعل ملتهبًا خارج المنطق، ليظهر هذا الإبداع في الفن والأدب والمناجزات الرياضية، واختراق المناطق الغامضة في المغامرات والرحلات، ليستيقظ العقل بين وقت وآخر ليمارس الإمعان والتحليل وترتيب حيثيات المقدمات والأسباب والنتائج في المعامل وشئون التربية والتدريب والتعليم وصناعة الورق والقماش والتلفزيونات وكيمياء الدهانات والألوان، استقبالا لما يجيش به القلب، هذا - القلب - الذي بدأ - في عصرنا الحديث - يضطرب تحت ضغوط الصواريخ والطوربيدات والدبابات والسموم والمداهمات، دون أن يعترف القلب أن معظم ما حاق به من أخطار وكوارث تولدت من الانقلابات التي جاءت حروف تكويناتها من حمق القلب..ياقلبي..!!
•وقد استحوذت النجوم - في السماء - على لقب : قلب العقرب لواحد منها أحمر اللون ذي وميض سريع يرصده علماء الفلك بدقة أكثر منا، كما أن نباتًا معمرًا - أي ذا عمر طويل - موطنه اليابان حصل على لقب (قلب مريم)، نوع من نباتات الحدائق، زهوره قلبية الشكل، تتدلى في حنان قرمزي أحمر، له قدرة فائقة على جذب العيون نظرًا، والأنوف شمّا، رائحته زكية، لكني لا أعرف لماذا أطلق عليه (قلب مريم) بالذات، أما القلب المقدس فهو ما أطلق على كنيسة - مسيحية بالطبع حتى لا تختلط مع لفظ الكنيست اليهودي - أقيمت في باريس فوق ربوة مونمارتر على الطراز البيزنطي بعد الحرب الفرنسية البروسية، ولها قبة ضخمة خلفها برج شامخ.
•وقد صبّ القلب - في لغته ومشاعره - أنواعًا من القوالب، دعك الآن من قوالب الطين التي استأثرت بفن المباني في مباراة تاريخية بينها وبين الأحجار، كما أرجو ألا نقف طويلاً أمام القوالب التي تستخدم في عمليات صناعية متعددة، مثل صب المعادن وقطع الألواح وسحب الأسلاك وصناعة العملات المعدنية والميداليات والحلي، إنما الذي يهمني الآن - ومع الأسف لاستبعاد العملات النقدية وما يحلّ بي - وبك - نتيجة لذلك - هو القوالب الفنية في الموسيقى الشرقية بالتحديد، وتشمل الألحان العربية والفارسية والتركية والشامية، (والهندية مع اختلاف قوالبها)، حيث تتألق في مقامات راست وحجاز وسيكا ونهاوند وصبا، تمامًا كما قام الشعر العربي بالتعبير في قوالبه التي أطلق عليها علماء اللغة العربية: البحور، من الطويل والمديد والوافر والكامل إلى البسيط والرجز والمنسرح، على أي حال فإن هذه القوالب الشعرية الثابتة - والموروثة - حملت على أكتافها، وفي وجدانها - كل نظم الإبداع العربي الرئيسي، وتجارب الأفراد والجماعات والأمم، أكثر من أي فن آخر، أقصد ليس منفردًا عن الموسيقى والنثر والرسم والقصّ والحكايات، لكنه تحمل في تقلباته وأهوائه ومراوحته الدائمة للمشاعر، كل ما نسعى إلى فهمه وإدراكه والوعي به في تاريخنا العربي، حتى لو جاء العصر الحديث بتياراته المناوئة والضاغطة علينا بمصطلحاتها ذات القولبة العلمية والفنية الجارفة، أو الانقلابات العسكرية والسياسية، أو المقالب الذكية الشريرة التي تبدو جميلة بعض الوقت في الحياة أو على شاشة التلفزيون، حتى أن الأجيال التي وفدت إلى الدنيا في الثلاثين عامًا الأخيرة لم تجرب أنواعًا من المعرفة الخاصة، والتي في أجمل حالاتها: الوصول إلى قلب النخيل، هذه الأشجار الشامخة العالية في الوديان والصحراوات، حيث كنا نعالج الأرق بما في هذا القلب من (جُمّار) - رجاء ضم الجيم وتشديد الميم كي تنطق هذه الشرائح البيضاء ذات الطعم الخفي حلاوة ومضغًا, إنها متعة قصوى دون أي تقليب على النار, ودون أي تقلّب في المذاق, ودون أن يترك في القلب أي قُلاب: والقلاب داء يستقر في القلب ويؤذيه، مع مراعاة أن ذلك غير القُلّب، تلك الصفة التي تطلق على الكائن كثير التقلّب، والذي لا يستقر على حال.
•إنها ليست صفة حيوية فقط، إنها سياسية أيضًا يتحمل الإنسان المساءلة أو المسئولية عنها، حتى أن الفأس التي تقلِّب بها الأرض للزراعة فقدت لقب (المِقْلب) بكسر الميم وتسكين القاف، كي لا تقع في مأزق التقلبات القائمة سياسيًا وجويًا وسلوكيًا، وكادت تقع في قاع القليب - بفتح القاف وكسر اللام - إنه البئر الضاغط بعمقه المظلم على الذاكرة، والتي تدعونا الآن ألاّ نقوم بتقليب أمورنا اكتفاء بسلوان قصائد وأغاني وأفلام وحكايات الأمور القلبية، ذات الهمس الدافئ والذي - في رفق ورقة - يضيء القلب، ويتيح لنا استقبال الصباح.
زحام المعنى
•للكاتب المذكور أعلاه؛ قدرة كبيرة على نبش المعرفة والعلوم وتنويع الحديث عنها وتقليب صفحتها خلال سطور تقودك مباشرة نحو المعنى وتزيد من حصيلتك الثقافية.
•محمد مستجاب يضع يدك بأول الخيط المعرفي وعليك المتابعة للتعمق في ذات الأشياء حسب الفضول (الغرابي) الذي يتوفر لديك ومدى صبرك في ذات الطريق.
•اليوم نبدأ سلسلة (غراب مستجاب) وفيها نقدم بعض الكتابات التي ستقودنا لفهم ما يدور من حولنا بعمق التفكير ودراسة ما خلف السطور.
•أختيار الكاتب المصري لطائر الغراب كعنوان لمقالاته الغزيرة بالمعرفة يدل على عمق التجربة التي يتكئ عليها في تقديم معرفته لعامة الناس.
•خلال شهر رمضان نريد أن نقدم لكم جزءا مما تعلمناه ونتمنى أن يشاركنا القراء بعض ما تعلموه في طريقهم إلى النـَص.
•يقول الرسول صلَ الله عليه وسلم {أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ} [أخرجه البخاري].
آخر محطة
# يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبِّتْ قَلْبـِي عَلَى دِينك.
•إلا أنّ القلب الأعظم ظل هذا العضو الكامن داخل القفص الصدري في الإنسان - مع إضافة عدد كبير من الحيوانات أيضا، ليتدفق الدم النقي من بطيناته وأذيناته - بعد تحليلات معملية دقيقة - ليصب حرارته ذات الشجن في العلاقات وقصائد الشعر والنثر والإحساس بالوجود، حتى أن المخ - أقصد العقل - الكامن في أعلى الجمجمة - يضطرب ويتراجع تاركًا أمورا - كثيرة ومعقدة - تحت سطوة الوجدان المتفاعل ملتهبًا خارج المنطق، ليظهر هذا الإبداع في الفن والأدب والمناجزات الرياضية، واختراق المناطق الغامضة في المغامرات والرحلات، ليستيقظ العقل بين وقت وآخر ليمارس الإمعان والتحليل وترتيب حيثيات المقدمات والأسباب والنتائج في المعامل وشئون التربية والتدريب والتعليم وصناعة الورق والقماش والتلفزيونات وكيمياء الدهانات والألوان، استقبالا لما يجيش به القلب، هذا - القلب - الذي بدأ - في عصرنا الحديث - يضطرب تحت ضغوط الصواريخ والطوربيدات والدبابات والسموم والمداهمات، دون أن يعترف القلب أن معظم ما حاق به من أخطار وكوارث تولدت من الانقلابات التي جاءت حروف تكويناتها من حمق القلب..ياقلبي..!!
•وقد استحوذت النجوم - في السماء - على لقب : قلب العقرب لواحد منها أحمر اللون ذي وميض سريع يرصده علماء الفلك بدقة أكثر منا، كما أن نباتًا معمرًا - أي ذا عمر طويل - موطنه اليابان حصل على لقب (قلب مريم)، نوع من نباتات الحدائق، زهوره قلبية الشكل، تتدلى في حنان قرمزي أحمر، له قدرة فائقة على جذب العيون نظرًا، والأنوف شمّا، رائحته زكية، لكني لا أعرف لماذا أطلق عليه (قلب مريم) بالذات، أما القلب المقدس فهو ما أطلق على كنيسة - مسيحية بالطبع حتى لا تختلط مع لفظ الكنيست اليهودي - أقيمت في باريس فوق ربوة مونمارتر على الطراز البيزنطي بعد الحرب الفرنسية البروسية، ولها قبة ضخمة خلفها برج شامخ.
•وقد صبّ القلب - في لغته ومشاعره - أنواعًا من القوالب، دعك الآن من قوالب الطين التي استأثرت بفن المباني في مباراة تاريخية بينها وبين الأحجار، كما أرجو ألا نقف طويلاً أمام القوالب التي تستخدم في عمليات صناعية متعددة، مثل صب المعادن وقطع الألواح وسحب الأسلاك وصناعة العملات المعدنية والميداليات والحلي، إنما الذي يهمني الآن - ومع الأسف لاستبعاد العملات النقدية وما يحلّ بي - وبك - نتيجة لذلك - هو القوالب الفنية في الموسيقى الشرقية بالتحديد، وتشمل الألحان العربية والفارسية والتركية والشامية، (والهندية مع اختلاف قوالبها)، حيث تتألق في مقامات راست وحجاز وسيكا ونهاوند وصبا، تمامًا كما قام الشعر العربي بالتعبير في قوالبه التي أطلق عليها علماء اللغة العربية: البحور، من الطويل والمديد والوافر والكامل إلى البسيط والرجز والمنسرح، على أي حال فإن هذه القوالب الشعرية الثابتة - والموروثة - حملت على أكتافها، وفي وجدانها - كل نظم الإبداع العربي الرئيسي، وتجارب الأفراد والجماعات والأمم، أكثر من أي فن آخر، أقصد ليس منفردًا عن الموسيقى والنثر والرسم والقصّ والحكايات، لكنه تحمل في تقلباته وأهوائه ومراوحته الدائمة للمشاعر، كل ما نسعى إلى فهمه وإدراكه والوعي به في تاريخنا العربي، حتى لو جاء العصر الحديث بتياراته المناوئة والضاغطة علينا بمصطلحاتها ذات القولبة العلمية والفنية الجارفة، أو الانقلابات العسكرية والسياسية، أو المقالب الذكية الشريرة التي تبدو جميلة بعض الوقت في الحياة أو على شاشة التلفزيون، حتى أن الأجيال التي وفدت إلى الدنيا في الثلاثين عامًا الأخيرة لم تجرب أنواعًا من المعرفة الخاصة، والتي في أجمل حالاتها: الوصول إلى قلب النخيل، هذه الأشجار الشامخة العالية في الوديان والصحراوات، حيث كنا نعالج الأرق بما في هذا القلب من (جُمّار) - رجاء ضم الجيم وتشديد الميم كي تنطق هذه الشرائح البيضاء ذات الطعم الخفي حلاوة ومضغًا, إنها متعة قصوى دون أي تقليب على النار, ودون أي تقلّب في المذاق, ودون أن يترك في القلب أي قُلاب: والقلاب داء يستقر في القلب ويؤذيه، مع مراعاة أن ذلك غير القُلّب، تلك الصفة التي تطلق على الكائن كثير التقلّب، والذي لا يستقر على حال.
•إنها ليست صفة حيوية فقط، إنها سياسية أيضًا يتحمل الإنسان المساءلة أو المسئولية عنها، حتى أن الفأس التي تقلِّب بها الأرض للزراعة فقدت لقب (المِقْلب) بكسر الميم وتسكين القاف، كي لا تقع في مأزق التقلبات القائمة سياسيًا وجويًا وسلوكيًا، وكادت تقع في قاع القليب - بفتح القاف وكسر اللام - إنه البئر الضاغط بعمقه المظلم على الذاكرة، والتي تدعونا الآن ألاّ نقوم بتقليب أمورنا اكتفاء بسلوان قصائد وأغاني وأفلام وحكايات الأمور القلبية، ذات الهمس الدافئ والذي - في رفق ورقة - يضيء القلب، ويتيح لنا استقبال الصباح.
زحام المعنى
•للكاتب المذكور أعلاه؛ قدرة كبيرة على نبش المعرفة والعلوم وتنويع الحديث عنها وتقليب صفحتها خلال سطور تقودك مباشرة نحو المعنى وتزيد من حصيلتك الثقافية.
•محمد مستجاب يضع يدك بأول الخيط المعرفي وعليك المتابعة للتعمق في ذات الأشياء حسب الفضول (الغرابي) الذي يتوفر لديك ومدى صبرك في ذات الطريق.
•اليوم نبدأ سلسلة (غراب مستجاب) وفيها نقدم بعض الكتابات التي ستقودنا لفهم ما يدور من حولنا بعمق التفكير ودراسة ما خلف السطور.
•أختيار الكاتب المصري لطائر الغراب كعنوان لمقالاته الغزيرة بالمعرفة يدل على عمق التجربة التي يتكئ عليها في تقديم معرفته لعامة الناس.
•خلال شهر رمضان نريد أن نقدم لكم جزءا مما تعلمناه ونتمنى أن يشاركنا القراء بعض ما تعلموه في طريقهم إلى النـَص.
•يقول الرسول صلَ الله عليه وسلم {أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ, أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ} [أخرجه البخاري].
آخر محطة
# يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبِّتْ قَلْبـِي عَلَى دِينك.
Hosssamxp@gmail.com
Hosssam4H@gmail.com