الطريق إلى النـَص | الغراب نذير معرفة وليس شؤم ..!! [5 _ 30]



الغراب نذير معرفة وليس شؤم ..!! [5  _ 30] 


•ذات الأصابع العبقرية في العزف والذبح والخطف والرسم الجميل، بهذه الكلمات بدأ محمد مستجاب مقاله عن اليد في معرض حديثه عن الإنسان وأشياؤه وقد سبق وأن نقلنا لكم حديثه عن القلب وسوف نستمر في سرده الممتع للأشياء في هذه المساحة بأذن الله.

•تعتبر اليد أخطر جهاز تنفيذي في الإنسان وبعض الأحياء الأخرى، وهي بأصابعها تختصر سماته الأساسية من جمال وشراسة ونظافة ونعومة وخفة وذكاء، تحدد المجال الجغرافي الذي يمكن للإنسان أن يعمل فيه، وعندما تصيبها العوائق تبدأ الأجهزة (الإنسانية) الأخرى في إعادة صياغة نفسها، وقد يقضي الإنسان عمره كله تحت وطأة إعادة الصياغة وستظل اليد العليا تعبيرا أثيرا عن النظافة والفضل والأخلاق الكريمة، وأخطر يد تلك التي تفتل أصابعها خيوط المشانق أو تشعل النيران أو تمتد إلى دمعة تمسحها من فوق خدّ محزون، لكنها - هذه اليد - تصل إلى شموخها حينما ترتفع إلى أعلى الأعلى رافعة لواء الوطن، أو متوسلة الطريق إلى اجتزاء المصدر الداخلي للألم، أو متلمسة أوتار الموسيقى، أو معترفة بالإقرار كتابة عن حق لا يعرف طريقه أحد، أو مشيرة إلى ما قد يغيب عن الآخرين من أخطار.

•عبقرية اليد في أصابعها، ولها سحرها في الرسم والنحت والتدوين وكتابة الخط الجميل، وفي النشل من الجيوب، وفي التشبث بالصيد، وفي حياكة الملابس والمؤامرات وخدع السحرة والذبح والسلخ وخلع ذوي المناصب الكبرى، وهي قادرة على إبراز الإعجاب والاستحسان والرفض والقبول والتصفيق، ودرايتها معروفة في حك مصباح علاء الدين لإطلاق العفاريت والصواريخ والهيمنة على عجلات قيادة الطائرات، والسيارات، والجماعات والأفراد وسفن الفضاء، وخيول الأرض، والتقاط الديدان، وحفر القبور، واقتطاف الورد، وبعثرة الأموال، ونقب الحوائط، وتغيير صمامات القلوب، والسطوة على النساء والقوانين، وقطع الحبل السري للولائد، وتصل إلى قمة براعتها في التدليس والتزوير وبناء الشواهد وفقء العيون وإعادة صياغة التاريخ.

•أشهر الأيدي: استعمالا للسيوف عند خالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وفي إطلاق النار عند أرسين لوبين (اللص الظريف)، وفي تقليب جيوب الآخرين عند على الزيبق، وفي فتح مغاليق الغموض عند شرلوك هولمز، وفي العزف عند روبنشتين شيطان البيانو، وعند الريس متقال في العزف على الربابة، وفي العزف على الكمان عند الإيطالي فيفالدي والمصري أحمد الحفناوي، وفي العزف على العود عند الإسباني رودريجو والعربي الشهير فريد الأطرش وجورج ميشيل، وفي الإمساك بعصا قيادة الأوركسترا عند الأرمني كرايان.

•قد انقضى العصر الذي كانت اليد فيه ترتاح لتضميخها بالحناء في الليلة السابقة على ليلة الهناء، وأصبحت نظيفة كريمة خاوية كيد حاتم الطائي، وانتهى بها الأمر إلى نوع من المبارزة أو المصارعة أو الملاكمة، حتى ولو كانت منسابة كأيدي راقصي الباليه وممثلي البانتوميم (التمثيل الصامت)، أو رءوما كالأيدى الممسكة بالطباشير تخط على السبورة السوداء ألف باء للأطفال، أو معقدة كتلك التي تستخرج من الكمبيوتر معلومات وبيانات مجهدة للعقل، أو هذه التي تمارس في عبقرية مستترة: إخراج الصفحات المطبوعة كل ساعة في جميع أنحاء الأرض، وهي التي تسبغ على حياتنا نوعا من الجمال اليومي المريح، لقد نجحت أحبار وألوان المطابع في احتلال المساحة التي كانت متاحة من اليد للحناء، دون اهتمام بفلسفة ليلة الهناء المأمولة دائما.

زحام المعنى

•أشهر من الأيدي خلال شهر رمضان الكريم تلك التي تضرب على الطبل ليصحى النائم للسحور.

•وتلك التي تمسك بمكبر الصوت لرفع النداء للصلوات الخمس في وقتها.

•بالإضافة للأيدي العاملة في تحضير موائد الرحمن وتجهيز الطعام لعابري السبيل في الطرق السريعة.

•بجانب الأيدي التي تواصل عملها بتقليب مفاتيح جهاز التكيف أملاً في الوصول لدرجة أفضل من البرودة.

•وتلك الممسكة بالرموت كنترول تقليباً و بحثاً عن برنامج مفيد أو أخر يقتل الوقت.

•أضف لذلك الأيدي التي تمسك بكتاب الله الكريم سعياً لختامه خلال الشهر المبارك.

•والأيدي العاملة في سبيل توفير لقمة العيش، وأكثر الأيدي أستخداماً هذه الأيام تلك التي تكتب الرسائل والأحاديث و الدردشات في مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما الواتساب.

•يقول الله تعالى في محكم تنزيله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً}.. الإسراء {29}.

آخر محطة

# نختم بقوله تعالى : {ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}. آل عمران {182}.