الطريق إلى النـَص | الغراب نذير معرفة وليس شؤم ..{غراب مستجاب}..[4 _ 30]


الغراب نذير معرفة وليس شؤم ..{غراب مستجاب}..[4 _ 30]
•أكثر ما يبحث عنه أفراد الشعب السوداني هذه الأيام المباركة هو جهاز تكيف عالي البرودة بالإضافة إلى التواجد بالأماكن الهادئة لاسيما في حالة وجود سرير وثير مع البعد عن الأماكن التي تصلها أشعة الشمس المباشرة أو غير المباشرة، والسبب في ذلك يكمن في الأجواء السودانية الحارقة خلال شهر رمضان المعظم، أضف لذلك أن الشعب السوداني عبارة عن (سيد جرسة).

•خلال حديثه عن النوم يقول الكاتب محمد مستجاب : الراحة المأمولة، والتي ينتظرها الجسد والعقل كي يتخلّصا بعض الوقت من الإرهاق والحرمان من النوم وراء تفسير إقرار كثير من الأبرياء بجرائم – يوقعون صكوك الاعتراف بها – مع أنهم لم يقترفوها، حيث يتناوب عليهم المحققون بشكل ضاغط يحرمهم من النوم، وهم بذلك لا يبغون سوى فترة نوم، وليكن بعدها ما يكون، ولذا فإن أخطر أعداء النوم – بعد سلوك السلطة المشار إليه: الثروة المفاجئة، والخيانة في العشق أو الأسرة أو من الذين نستنيم ثقة فيهم، والحزن الشديد الناجم عن فقد الأحبّاء، أو استمرار الأعداء في حال جيدة دون الوقوع في شدائد العقاب منّا أو من غيرنا – أو من القدر، ثم الأدوية المنبهة، ثم حالات الانتظار اليائس والبائس، وكلها حالات تتواتر إقلاقاً لنوم الأحياء، وقد أصابت النباتات أنواع منها يؤدي إلى اضطراب قد يهلكها أو يحول دون إثمارها عندما يتغير أصحابها كما في حالات لوحظت في النخيل وشجر التوت.

•بداية النوم: الوسن، ثم لا يلبث أن يصبح الوسن نعاساً، ثم نوماً، ثم الكرى – بفتح الكاف، فإن جاءت الكاف مضمومة فإنها تخرج عن حالات النوم المؤقت إلى القبور ذاتها، لكن لفظ النوم هو الدائم الدائب الاستعمال في اللغة اليومية، ومنها جاء (أبو النوم) الذي أصبح مصطلحاً على نوع من النباتات المخدرة كالخشخاش أو البانجو، وقد فشلت في العثور على اسم هذا النبات في الكتب أو من معلومات الذين يستعملونه، ربما لأن عقولهم ليست في الحالة المنشودة من اليقظة.

•ينتشر النوم في الروايات – الموروثة والحديثة، وكثيراً ما يلجأ إليه علي بابا والملك لير و روميو – دون جولييت – وهيثكليف – بطل (مرتفعات وذرنج) والكونت دي مونت كريتسو وعبد الله النديم – في العودة إلى المنفى، وأكثر الأبطال نوماً كان السندباد عندما أصبح وحيداً مالكاً لجزيرة مترامية الحدود، وشارلوك هولمز حينما كان النوم يستغرقه بعد تفكير طويل في فك عقدة القاتل والضحية، أما أقل الأبطال نوماً، فقد كان امرؤ القيس الساعي دون ملل – مع سيل منهمر من دموع الشعر – خلف ليلى في اتساع البادية، وسعيد مهران المطارد من السلطة: أفراداً وكلاباً، وجيفارا وسط أشواك الغابات الشرسة في أمريكا الجنوبية، ويوسف إدريس حينما منحت المؤسسات الغربية جائزة نوبل لنجيب محفوظ، وأمي – نعم أمي أنا – ليلة مقتل أنور السادات، لوقوعها في مأزق عدم التصديق، وهو ما عانيت منه بصفة شخصية منذ أسابيع حينما اخترقت الطائرة الثانية الأبراج الأمريكية، وجمال عبد الناصر بعد هزيمة يونيو 1967 – حيث أصبح الملاذ كي ينام أن يتنحّى، لكن أمله لم يتحقق مما جعله حالة من القلق الذي انتهى يوم رحيله بعد ذلك بثلاث سنوات وثلاثة شهور – لكنه: هذا القلق – لم يغادرنا نحن حتى الآن، حيث لا يزال الجيل الذي أنتمي إليه لا يجيد النوم.

•أخطر أعداء النوم: الإحساس بالذنب، والهجوع إلى الأماكن غير المألوفة في الغابات والجبال، بل إن ذلك قد يمتد إلى الفراش الوثير في الفنادق مادامت غير مألوفة، ومن أعداء النوم أيضاً: الخنادق، وسطوح السفن، والصراخ الملتاع، وأصوات الذئاب، وضجيج الموسيقى الحديثة، وأوار العقل حينما يلتهب إبداعاً، وطنين البعوض والزنابير، وذباب (تسي تسي) في إفريقيا الوسطى (وربما كان ذلك وراء إطلاق مصطلح نيام نيام على أبناء غاباتها الذين يصابون بلسع هذا الذباب في تعريف عكسي)، والهمس الغامض القريب في الظلام، وسطوة التوقعات والانتظار لنتائج الاختبارات والاختيارات في الامتحانات والوظائف والموافقة على العرائس أو العرسان، والكوابيس التي تلقي بك من فوق الأشجار أو من وسط السحب في عز النوم، ومشهد ثعبان أو عقرب حين تمر في هدوء قريباً من فراشك، وفقد الأعزاء (موتاً أو خيانة أو ضياعاً غامضاً)، كما أن ذلك مقصور على أقطارنا الشرقية، والزيارات غير المتوقعة من أصدقاء أو أقارب دون إدراك لارتباطاتك بصفة شخصية أو عملية أو وظيفية أو أسرية.

•غير أن النوم سيظل السلوان الأكثر دفئاً لما يعتور حياتنا من مداهمات الأخبار والعواصف والأمطار وبرامج التلفزيون والكتابات الضحلة أو المدهونة بالنفاق الذي نطلق عليه – من باب التهذيب – المداهنة، مع أن مداهنة النوم ستظل أرقى ما نقوم به حتى الآن ليرتاح العقل والجسد من أنواع عدة من الإرهاق.

زحام المعنى

•خلال إجابته عن حكم النائم طيلة نهار رمضان وفي جوابه عن حكم النائم عن الصلاة في وقتها خلال شهر رمضان وعن حكم النائم في غير أوقات الصلاة، يقول الشيخ أبن عثيمين رحمه لله : الحال الأولى: رجل ينام طوال النهار ولا يستيقظ، ولا شك أن هذا جانٍ على نفسه، وعاصٍ لله _عز وجل_ بتركه الصلاة في أوقاتها، وإذا كان من أهل الجماعة فقد أضاف إلى ذلك ترك الجماعة أيضاً ، وهو حرام عليه ومنقص لصومه، وما مثله إلا مثل من يبني قصراً ويهدم مصراً ، فعليه أن يتوب إلى الله _عز وجل_، وأن يقوم ويؤدي الصلاة في أوقاتها حسب ما أمر الله _تعالى_ بها، والله _عز وجل_ يقول:"إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً" (النساء:103).

•أما الحال الثانية: وهي حال من يقوم ويصلي الصلاة المفروضة في وقتها ومع الجماعة، فهذا ليس بآثم، لكنه فوت على نفسه خيراً كثيراً؛ لأنه ينبغي للصائم أن يشتغل بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم، حتى يجمع في صيامه عبادات شتى، والإنسان إذا عوَّد نفسه ومرَّنها على أعمال العبادة في حال الصيام سهل عليه ذلك، وإذا عود نفسه الكسل والخمول والراحة صار لا يألف إلا ذلك، وصعبت عليه العبادات والأعمال في حال الصيام، فنصيحتي لهذا ألا يستوعب وقت صيامه في نومه، فليحرص على العبادة.

•من جهة أخرى يقول العلم ممثلاً في الأطباء المختصون: ننصح الصائمين خلال شهر رمضان الفضيل بمحاولة الالتزام بعدد ساعات النوم المعتادة إلى حد كبير، وقالوا إنه من الضروري أن يحصل جسم الإنسان وعقله على قسط كاف من الراحة خاصة أن النظام الغذائي للإنسان يختلف في هذا الشهر الكريم عن بقية الشهور، و قال أخصائي طب الجهاز الهضمي بالمستشفى الأميركي بدبي عبد الله فياض (لقناة الجزيرة)، إنه لكي يحصل الجسم والعقل على قسط كاف من الراحة، فإنهما بحاجة إلى سبع ساعات من النوم يوميا على الأقل.

آخر محطة


# يـا نـائـم وحـد الـدائـم ..!!